كتبت الصحفية أروى المهداوي في الجارديان أن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة، ومعها حلفاء نافذون في الولايات المتحدة، تراهن على أن قتل الصحفيين، ومنع وصول الإعلام الأجنبي، وإنفاق مئات الملايين على الدعاية سيجعل العالم يغض الطرف عن الإبادة الجارية في غزة. وتشير الكاتبة إلى أن الجيش الإسرائيلي يقصف غزة بلا هوادة بينما تقل الصور الخارجة من المدينة نتيجة الحصار الإعلامي واستهداف الصحفيين، آخرهم طاقم قناة الجزيرة في أغسطس الماضي.
أوضحت الصحيفة أن هذا الفراغ في المعلومات تستغله شركات دعاية وعلاقات عامة أمريكية لتصنيع رواية بديلة. موقع دروب سايت نيوز كشف أن شركة Stagwell Global، التي أسسها المستشار السياسي مارك بن، تعاقدت مع وزارة الخارجية الإسرائيلية لتحسين صورة إسرائيل عالميًا. التقرير المسرّب أظهر أن الاستراتيجية تقوم على إثارة الخوف من "الإسلام الراديكالي" و"الجهادية" لإخفاء حقيقة الجرائم، مع توقعات بأن الرأي العام سينسى الإبادة بمجرد انتهاء الحرب.
أضافت الغارديان أن شركة تابعة لـStagwell، وهي SKDKnickerbocker، وقعت عقدًا بقيمة 600 ألف دولار لإدارة برنامج يعتمد على "جيش من الحسابات الآلية" لبث رسائل مؤيدة لإسرائيل على منصات مثل إنستاجرام وتيك توك ويوتيوب. ورغم إعلان الشركة لاحقًا وقف عملها مع الحكومة الإسرائيلية، إلا أن تسريبات أوضحت خططًا لتكثيف المحتوى الرقمي بما يضمن "إغراق الفضاء" بسردية واحدة.
تنقل الكاتبة عن الخبيرة التسويقية زوي سكمان أن نجاح هذه الحملات لا يحتاج لإقناع الناس بأن الإبادة جيدة، بل يكفي نشر الشك والارتباك أو إنهاك الجمهور من التفكير. وبهذا تتحول معارضة قتل الأطفال إلى موقف يُصوَّر كنوع من التطرف، بينما تتآكل قدرة المجتمعات على فرز الحقائق من الأكاذيب.
تؤكد الصحيفة أن هذه الجهود الدعائية تحظى بميزانيات ضخمة، إذ أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية العام الماضي عن مخصصات إضافية بقيمة 150 مليون دولار لـ"الدبلوماسية العامة"، أي لشراء النفوذ الإعلامي وصناعة الرأي العام في الخارج.
تستعرض الجارديان كيف روّج سياسيون وإعلاميون أمريكيون أكاذيب دعمت آلة الحرب. المثال الأبرز كان الادعاء بأن مقاتلي حماس قطعوا رؤوس 40 رضيعًا، وهو خبر زائف جرى ترويجه من البيت الأبيض وإعلاميين بارزين مثل مراسلة سي إن إن سارة سيدنر، قبل أن يتراجع بعضهم عن هذه الرواية. ورغم ذلك ما زالت تغريدات كاذبة لصحفيين من شبكة CBS موجودة على المنصات. وتشير الكاتبة إلى أن الشبكة جزء من مؤسسة إعلامية يملكها ديفيد إليسون، الذي تربطه علاقات وثيقة بدوائر الضغط المؤيدة لإسرائيل، ويستعد لدمج مؤسسة "فري برس" التابعة لباري فايس المعروفة بمواقفها المؤيدة لتل أبيب.
تربط الكاتبة بين النفوذ الإعلامي ورجال المال، حيث يظهر اسم لاري إليسون، والد ديفيد وصاحب شركة أوراكل، الذي تبرع بمبلغ 16.6 مليون دولار لجيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2017. وتخطط أوراكل الآن مع شركات أخرى للاستحواذ على تطبيق تيك توك، وهو ما قد يغير خوارزمياته لصالح الرواية الإسرائيلية، خصوصًا أن التطبيق أثار غضب مشرعين أمريكيين بسبب الانتشار الواسع للمحتوى المتضامن مع فلسطين.
إلى جانب الإعلام والشركات، تذكر الصحيفة أن 250 مشرعًا أمريكيًا زاروا إسرائيل مؤخرًا ضمن مؤتمر "50 ولاية، إسرائيل واحدة"، وهو ما تعتبره الكاتبة جزءًا من رحلات دعائية تستهلك موارد كان الأولى توجيهها لقضايا داخلية مثل التعليم والرعاية الصحية.
تنهي المهداوي مقالها باقتباس من الكاتب عمر العقاد الذي قال عام 2023: "سيأتي يوم يقول فيه الجميع إنهم كانوا ضد هذه الإبادة، لكن فقط عندما يفوت الأوان". وترى أن ضخ الأموال في حملات التلميع قد يجعل من هذا التوقع حقيقة، إذ قد يُعاد كتابة التاريخ ليظهر وكأن العالم لم يتواطأ. لكنها تحذر من أن إنكار الجرائم اليوم هو نفسه مشاركة فيها، وأن أخطر ما يحدث ليس فقط قتل المدنيين في غزة، بل محو الحقيقة من الذاكرة العالمية.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/sep/26/gaza-us-marketing-companies